هذه السطور لا ترسم حالة كنت قد شعرت بها بشكل مباشر، فهناك حالات نشعر بها
في حياتنا اليومية لكن لا تستطيع توصيفها بدقة أو وضعها في إطار محدد لكي تُدرس،
في حال وجودها، ربما لأنها حالات نادرة الحدوث، أو لأنها حالات تتعلق بالمشاعر،
والمشاعر شيء صعب القياس والتوصيف، وأحيانا صعب الشرح والتفسير.
كثير من الاحيان تواجهنا مشاكل نفسية، ناتجة عن تراكم غبار الحياة في
تلافيق عقولنا، فلا يخلو شخص منا من مشكلة نفسية، وهنا لا تنطبق القاعدة "كل
تعميم خاطئ حتى تعميمي هذا " طبعا من وجهة نظري فقط على الأقل.

وبالعكس تكون
القدرة على التأقلم والتمايل لدى أصحاب القلوب الرقيقة أكبر بكثير، فهي تشبه
"الطين" قادرة على تحمل الصدمات وامتصاصها، لديها القدرة على تغيير
شكلها، تأخذ شكل الشريك أحيانا، أو قادرة على أن تأخذ شكلا يمكن أن يرضي الشريك.
هذه القلوب قادرة على الاستمرار والتكيف والنجاح في جميع العلاقات تقريبا، ولا
تقتصر الأمور على العلاقات العاطفية، فالعمل يحتاج يداً من حديد وقلباً من طين،
خصوصاً في الحالات المشابهة للحالة التي عاش بها المجتمع السوري في الفترة
الأخيرة.
قلوب الطين يمكنك مشاهدتها لدى أسرة استمرت فيها العلاقة الزوجية فترة
طويلة، سترى العادات قد تشابهت بين الشريكين، طقوس الحياة، طريقة الكلام، حتى
يمكنك أن تلاحظ الشبه قد انتقل كالعدوى إلى تقاسيم وجوههم أيضاً.
قلوب الطين حيّة سريعة التأقلم لا تقف عند الجراح، قادرة على النسيان لتبدأ
بالضحك من الأشياء التي بكت بسببها يوماً، فهي كما قال عنها جبران خليل جبران؛
"ماتلبث أن تنشد أغنية بين القلوب الفرحة " تتألم لكن سريعة التعافي،
ربما تجف بسبب علاقة قاسية تشوبها الماديات وتلوث الحياة، تتشقق كالأرض الجافة
وتنكسر وتبكي بغزارة، لكن دموعها تعيد للطين الحياة من جديد، فالحقول التي لا تروى
بالدموع لا تثمر أبداً.
قلوب الطين سريعة البكاء، حساسيتها عالية للمطر، تقرأ العيون، قليلة الكلام
وسريعة الإدراك، يصفها البعض "طيبة قلب" ويسخر ونها البعض الآخر، لذلك
إذا شعرت بأن أحدهم قلبه "طيب" لا تستخف بقدرته، بل احترم مقدرته التي
وصفها شمس التبريزي بكلمته؛
" عندما
أخبرته أن قلبي من طين .. سخر مني .. لأن قلبه من حديد
قريبا ستمطر ..
سيزهر قلبي .. وسيصدأ قلبه "
وسيم سليمان - مجلة سارة - العدد 12 - شباط 2018