السبت، 9 ديسمبر 2017

هجرة القلوب - وسيم سليمان - مقال في مجلة سارة

لم تشر الدراسات السابقة إلى هذه الحالة المرضية برغم انتشارها الواسع، بل ركزت فقط على المشكلة التي عانت منها ومازالت أغلب مجتمعاتنا العربية "هجرة العقول" ربما لان أعراضها "هجرة القلوب" لاتظهر بالعين المجردة، بل في كثير من الأحيان تتخذ 
لها شكل الأعراض النفسية أو السلوكية.
هجرة القلوب ليست مادية ولا حركية انما هي تغيرات تطرأ على مشاعرنا، أو ربما هي قسوة نكتسبها مع الزمن تنتج خلل في طريقة تعاطينا مع أنفسنا أو مشاعرنا.
يقال؛ أن الإنسان يولد على الفطرة، والفطرة ليست فقط إيمان رباني مرتبط بالروح التي اختص بها الخالق، بل هي منبع لعواطفنا أيضاً، هذه الفطرة تتأثر بالحياة، تتلوث بأوساخها، من هنا تبدأ الفطرة لدى البعض بالانحراف عن وتيرة طبيعتها.
العواطف، الأحاسيس، الحب .. أشياء ارتبطت بالروح .. بالفطرة .. لكنها ايضا تتأثر بالحياة، ربما تنحرف عن سياقها الطبيعي، أو تأخذ مشاعرنا شكلاً لا ينسجم مع أفكارنا أو قناعاتنا الداخلية، وهنا يعمل الإنسان على كبت أحاسيسه ومشاعرة بعد سن معين، ويصبغ روحة بغطاء كاذب أطلق عليه "العقل" وهنا لانقصد التفكير وعملية المحاكمة العقلية التي يقوم بها الانسان، بل هي الطريقة التي ابتكرها الانسان ليهرب بهدوء من مشاعرة وأحاسيسه، أمام المجتمع والأصدقاء، ربما بسبب اختيار أو قرار خاطىء اتخذته مشاعره من دون قناعته.
عند هذه المفارقة، أو ذاك الخلل بين العقل والقلب، تبدأ "هجرة القلوب" هجرة لايمكن أن تنعكس أبدا، هي أشبه بسمك السلمون الذي يقطع المحيط الأطلسي مروراً بالبحر لاقياً حتفه في منابع النيل، نفس المسار الواحد تتخذه القلوب المهاجرة في طريقها إلى العقل، فالطفولة تجنح إلى العاطفة، والكهولة تجنح بنا نحو العقل.. ولا يمكن لأحد إيقاف صيرورة الحياة.
هجرة قاسية قسرية يخوضها الجميع دون استثناء بطريقة أو بأخرى .. هي حقيقية وواقعية ومؤلمة للدرجة التي جعلت نزار قباني يصرخ مذهولاً بوجه كاظم الساهر عندما حذف تنويهه لها في قصيدته الشهيرة .. زيديني عشقاَ عندما وصفها بالقافلة ..

أنا أقدم عاصمةٍ للحزن ..
و جرحي نقشٌ فرعوني

وجعي .. يمتد كبقعة زيتٍ
من بيروت إلى الصينِ..

وجعي قافلة.. أرسلها
خلفاء الشام .. إلى الصينِ

في القرن السابع للميلاد ..
وضاعت في فم تنينِ ..

من #بنات_أفكاري في مجلة #سارة
وسيم سليمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق