دخل إلى منزله مسرعاً، نسي خلع ملابسه، جلس على الطاولة، كان فنجان
القهوة ساخناً جداً كحماسه، فاليوم يحتفل العالم بعيد المرأة،فتح اللابتوب وبدأ
بتصفح المباركات والمنشورات بهذا اليوم الجميل..
رفع فنجان القهوة وقرأ منشور جاره، كان قد بارك بهذا اليوم لأمه (أمي أنت
سبب وجودي وسعادتي، أنت فقط من تستحق العيد في هذا اليوم الجميل) ابتسم ساخراً عندما
تذكر أن جاره نفسه قد "رفس" الباب في وجه أمه عندما طلبت منه رمي
القمامة.
ابن عمته أيضاً كان له منشور جميل استخلصه من كتاب نزار قباني
"قصتي مع الشعر" عندما تحدث الشاعر الشهير عن اخته ( في تاريخ أسرتنا حادثة استشهاد سببها العشق. الشهيدة هي أختي الكبرى
"وصال" قتلت نفسها بكل بساطة وشاعرية منقطعة النظير، لأنها لم تستطع أن
تتزوج بحبيبها...) دخلت القهوة فجأة إلى مجرى التنفس، وأخذ بالسعال، فابن عمته جرّ
أخته من شعرها عندما شاهدها تتحدث مع حبيبها أمام المنزلهم، لكنها اليوم بعد أن
تزوجت تنفق عليه، لأنه بقي إلى هذه اللحظة بلا عمل!
أشعل السيجارة الثانية، شعر بالجوع، فهو قد عاد للتو مع زوجته من
العمل .. تابع القراءة ... لفت نظره ما كتبه صديقه المحامي (تميّز قوانين الأحوال
الشخصية العربية الذكر عن الأنثى في قدرته على الزواج بأكثر من امرأة، لذلك تعترض
الدول العربية على المادة 16 في اتفاقية سيداو... وهو أمر مخزي .. الخ ) ضحك بصوت مرتفع، كان قد أخبره صديقه بأنه تزوج سراً من أخرى، وأنه
يتغزل بالأولى على الفيسبوك عندما تراودها الشكوك.. فعلق على منشوره ساخرا
"هل بدأت الشكوك؟"
مع فنجان القهوة الثاني كن قد تصفح الكثير من المنشورات "
المنمقة " عن المرأة، لكنه توقف طويلاً عند منشور تحدث عن رجل قام بتصوير
نفسه "فيديو مباشر" بعد أن قتل زوجته، كان هناك آلاف التعليقات، الكثير
منها يشتم القاتل، لكنه علق بسخرية "شو عَرّفنا شو بتكون عاملة؟" لتنهال
عليه عشرات الردود من نساء "انتوا مارح تتغيروا؟ ... ليش مافي محكمة بتحاسبها
إذا غلطانة؟ ... الخ" ويدخل في جدل "بيزنطي" ... هرب منه بحذف
تعليقه.
انتقلت إليه عدوى "مرض الفيسبوك" فهي أسرع من الملاريا عندما
تجعل من الجاهل كاتب ومن الاستعراضي إعلامي .. قال في نفسه؛ يجب أن أكتب شيئا في
هذه المناسبة، ركّز أفكاره، أحرق ثلاث سجائر مع كوب القهوة في محاولة استحضار
الكلمات وكتب: "إلى ملهمتي وأم أطفالي وشريكتي في هذه الحياة .. زوجتي
الغالية .. حبي لك يطاردني .. كما طارد حب عبلة .. عنترة في البادية " فجأة
بدأت معدته بإصدار الأصوات، كانت قد فرغت تماما، أطفأ سيجارته الأخيرة ببقايا
الفنجان ، أزاح الكرسي بقوة ووقف صارخاً: (وين الأكل يامرا ؟ يقطع عمرك شو بليدة )
وسيم سليمان - مجلة سارة - العدد 13 نيسان 2018
رائع
ردحذف