
من #بنات_أفكاري في مجلة #سارة
لا شيء يعجبني..
دخلت قاعة المحاضرة، كعادتي ساخراً، فقد اعتدت في الآونة الأخيرة، تحويل أصعب الظروف إلى مناسبة للسخرية والضحك، جلست بجانب زميلتي، كانت ملامحها حزينة، سألتها عن حالها، أجابت؛ لا أعلم، أنا لا أشعر بشيء!
لم أستغرب، فقد عانيت أنا مراراً من "اللا شعور بشيء" ربما البعض ينتابه هذا "اللا شعور" في أيامنا هذه، لا أعلم، لكنني حاربته على الأقل أمام نفسي، بافتعال السخرية، السخرية من كل شيء، تصرف أزعج البعض أحياناً، لكنه على الأقل يرضيني!
كان من عادتي أنا وصديق لي، المشي في شوارع دمشق، هناك؛ كنا نراقب وجوه الناس وتصرفاتهم، في القهوة والأسواق وعلى أرصفة الطرقات، كنا قادرين أحياناً على التنبؤ بتصرفاتهم، أحياناً كانت عيونهم تتكلم، تعكس واقع البلاد الذي نعيشه، عيون شاردة، وأخرى حائرة، عيون حزينة، بكل عين هناك قصة.
في القهوة يختلف بريق العيون "بشكل مؤقت على الأقل"، كنا نرى مزيجاً من الممثلين، هناك الذي يمثل بأنه شخصية مهمة، والذي يمثل بأنه المفكر والمثقف، وآخر تقمص دور الإعلامي المشهور، شخصية واحدة في هذه المسرحية الهزلية كانت حقيقية، تلك الفتاة التي جلست "تبتسم وترمش" على طاولة جانبية مقابلة لهدف "شخص يمثل بأنه غني" وضعته في مرمى مفاتنها، كانت الحفلة التنكرية تصل أوج تملّقها عند دخول شخصية كبيرة "ثقل نوعي في البلاد"!
شاهدنا هذه المسرحية مراراً، في القهوة، في العمل، في صالات الاجتماعات، والمعارض والمؤتمرات.. كنا نعلم مسبقاً أن حال الجميع "مزري" فهذه الحرب لم تبقِ على عقل سليم "مني و جرّ" الواقع المرير فرض نفسه على الجميع، الممثلون كثر، والمسرحية كبيرة.
هذه المسرحية بتناقضاتها، وكوارثها، وتمثيلياتها، وتبعاتها على حياتك، سيجعلك تصل لمرحلة عدم التفكير، لأن المزيد منه
سوف يقتلك، لا شيء يعجبك، أنت فقط تحاول الاستمرار، ساخراً أحياناً، حزيناً أحياناً، لا تشعر بشيء..
الاستمرار في هذه الزمن "المأزوم" هو إنجاز.. هو سفر دائم، هي قصة رواها لنا محمود درويش بأسطر قليلة لكنها معبرة عن واقع حالنا السابق والراهن وربما القادم:
(يقول مسافرٌ في الباص.. لاشيء يعجبني.. لا الراديو ولا صحف الصباح.. ولا القلاع على التلال.. أريد أن أبكي..
يقول السائق: انتظر الوصول إلى المحطة، وابكِ وحدك ما استطعت..
تقول سيدة: أنا أيضاً لاشيء يعجبني، دللت ابني على قبري فأعجبه ونام ولم يودعني..
يقول الجامعي: ولا أنا، لاشيء يعجبني، درست الأركولوجيا دون أن أجد الهوية في الحجارة، هل أنا حقا أنا..
ويقول جندي: أنا أيضاً لاشيء يعجبني، أحاصر دائما شبحاً.. يحاصرني..
يقول السائق العصبي: ها نحن اقتربنا من محطتنا الأخيرة فاستعدوا للنزول..
فيصرخون: نريد ما بعد المحطة... فانطلق..
أما أنا فأقول: أنزلني هنا، أنا مثلهم لاشيء يعجبني، ولكنني تعبت السفر..)
وسيم سليمان